الأربعاء، 7 مارس 2018

حيوان مؤلم

     هل تعذيب الحيوانات مسألة أخلاقيّة ؟ قطعا نعم، لأنها تتألم، أي تحس وتشعر، بدرجاتٍ تتفاوت بين نوعٍ ونوع. يقول العلماء إن الأنظمة الإدراكيّة للحيوانات ليست في مستوى واحد، كما تتعمّق مشاعرها، سلبا أو إيجابا، كلما تعقّدت أنظمتها الإدراكيّة، حتى تبلغ أوجها في الإنسان، الحيوان الأكثر أسى، حيث النظام الإدراكي الأعقد. ولأنه -الإنسان- يتمتّع بوعي استثنائي، مقارنةً بسواه في مملكة الحيوان، صار بإمكانه المقارنة والقياس ووضع الذات مكان الغير، وتخيّل معاناته، إذ التعاطف هو بذرة الأخلاق.

     ذهب بعض المفكرين إلى أن الحيوان يحتل "مكانةً أدبية" تتناسب مع درجة وعيه، فتوصّلوا لترتيبٍ هرمي، يتربّع الإنسان على قمّته. طبعا هذا ينسجم مع التصورات الطاعنة في السن، الموروثة عن الحضارات القديمة، حيث الأشياء كلها ملك للإنسان، يتصرّف فيها كيف شاء، لكن بعدل. ومن المتوقع أن العدل هنا لا يعدو أن يكون مفهوما نسبيّا، يمكن لمن اتفقوا عليه أن يختلفوا فيه. فالحيازة بمجرد الأخذ (الصيد) مثلا تجيزه بعض الديانات ولو من دون ضرورة، فيما تمنعه أُخرى إلا لضرورة قاهرة. لكنها تتفق على حظر تعذيب الحيوان. وتتجلّى هذه المفارقات في الوصية النبويّة "وليحدَّ أحدكم شفرته، وليُرحْ ذبيتحه"، فالحضُّ على الرحمة جاء في سياق إجازة القتل. والواقع أنه لم يُسجّل على مضمونها أي تقدّمٍ أخلاقي يُذكر حتى اليوم، اللهم عند أرباب النزعة النباتيّة، المتنزّهين عن اللحم !

     وجهة نظر أخرى تزعم التسويّة بين الإنسان والحيوان، كلاهما يتبّوأ ذات المكانة الأدبية، لامتلاكهما قدرةً على الألم وما يتولّد عنه من مشاعر، قدرةً متماثلةً نوعا وإن اختلفت درجة أو عمقا. سنُصاب بالدهشة إذا عرفنا أن أصحابها لا يصدرون عن منزعٍ نباتي، كما سيلوح أن للمسألة أغوارا قد تغيب عن النظرات المتقزّزة على عجل. كيف لهؤلاء أن يؤمنون بالتسوية مع تقبّلهم اقتيات الإنسان على الحيوان ؟ ببساطة، لنفس الأسباب تجعلهم لا يرون في افتراس ثعلبٍ لأرنب مدعاةً للتدخل تحت أي ذرائع أخلاقية. وعندما تحل الضرورة، ويغيب التعذيب المتعمّد، يُرفع الحكم أخلاقي، فتجري الطبيعة على سجيّتها.

     للحيوان مكانة أدبيّة تستلزم مراعاتُها حظر كل أشكال الأذى غير الضروريّة، في تربيته ونقله وذبحه. كما تستلزم الإحسان إليه، بما يعني أنه موضوع أخلاقي. بمعنى أن التعامل معه داخل في المساحة التي تغطّيها الأحكام الأخلاقيّة، وعندما نقول "أحكام أخلاقيّة"، فهي حتما شيءٍ منفصل عن المنفعة، ومتسامٍ عليها أيضا. فالعذيب لا أخلاقي، من كل الزوايا، وبقطع النظر عن المتضرر والمستفيد.

      ربما في اللحّظة التي تلج فيها البشريّة حقبة ما بعد الحروب والصراعات، سأتوقع انقلابا في ملف الحيوان وحقوقه، قد يفضي للامتناع الكلي عن أكله، بحيث تكون النزعة النباتيّة جزءا لا يتجزّا من النزعة الإنسانيّة .. إلى ذلك الحين، تبدو الطبيعة عادلةً نوعا ما، فلنسرْ على هداها، ونجرّم كل ألم غير ضروري،  على افتراض أن الألم جزء من الطبيعة، لا مناص عن ارتكاب شيء منه. لا دور للأخلاق في موضوعنا إلا في تخفيض الألم، عند أدنى حدٍ ممكن. وذلك بالتوقّف فورا عن كل ألمٍ نسبّبه لها من غير ضرورة. كم ستخف وطأة الظلم في العالم لو اقتصرنا على الضرورة في كل شيء !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق