السبت، 14 مايو 2016

أرقام العمر


     للزمان وحدات قياسية متعارف عليها عالميّا (ثانية، دقيقة، ساعة، يوم، الخ) مثلما للمكان وحدات قياسية متعارف عليها عالميّا (ملم، سم، م، كلم، الخ)، مربعا للأسطح، مكعبا للأحجام، وهكذا، حتى تتداخل الأشياء وتتعقّد بالتالي طرائق قياسها، كما إذا تداخل الزمان والمكان والحركة، فلقياسها نحتاج إجراء معادلات، حيث المسافة هي حاصل ضرب السرعة في الزمن، والسرعة هي نتيجة قسمة المسافة على الزمن، وهكذا، في المعادلات الأكثر تعقيدا لقياس أشياء أكثر تعقيدا، ربما حتى يضمحل تفكيرنا في غياهب الوجود.

     أظن أن عمر الإنسان من تلك الأشياء المعقّدة، التي لا بد لقياسها من إجراء معادلةٍ ما. لكن قبل ذلك من الضروري التساؤل عمّا ينبغي قياسه، إذا ما كان -مثلا- المدّة الزمنيّة التي يقضيها الإنسان وهو لا يزال على قيد الحياة، وعليه يكون العمر قياسا للزمن، أم أنه قياس لمدى صلاحيّته للبقاء على ما يُرام، وعليه يكون العمر قياسا للجسد، ذلك أن موضوع الصلاحية من عدمها، هو الجسد حصرا، ولأن الشيخوخة وصف عام لتراجع الصحة.

     بعبارة أخرى، إذا كان العمر تأريخا، فلأي شيء بالضبط، أهو منصبٌّ على الماضي (مدّة بقاء جسد حتى الآن) أم هو استشراف للمستقبل (المدّة المتوقّعة لبقاء جسد) ؟ إذ للعمر دلالة باتجاهين : ماضٍ ومستقبل. لأن سؤال (كم أمضيت في الحياة ؟) ينطوي على توقع استشرافي (كم سيبقى لك فيها ؟)، كلاهما وجهان لعملةٍ واحدة : العمر. يتمحور الإشكال إذن حول الجسد، وهو ما يجب أن يكون المسطرة الأكثر دقة لقياس العمر

     في واقع الحياة، كم وجدنا عشرينيّا على هيئة ثلاثيني، وثلاثينيّا على هيئة أربعيني، الخ، والعكس أيضا، ليس شكلا وحسب، بل وعقلا. الجهاز النفسي برمّته. وهي ظواهر معروفة، تُفسّر عادةً بالعوامل المتحّكمة بالمعيشة (جغرافيا، اقتصاد، اجتماع، الخ)، فتعجّل أو تبطّىء من نضج الشخص أو احتراقه، ما سيجعل من اعتماد الزمن وحده معيارا لقياس العمر إشكالية، حيث الفروق الفرديّة ظاهرة للعيان، تفسيرها بالجينات والمحيط.

     وما دام أن مفعول الزمن في الأجساد يختلف من شخصٍ لآخر، أي من تجربة لأخرى، فيجب مراجعة هذا المعيار الظالم بمساواته بين المختلفين، خصوصا وقد أصبحت محافظة الإنسان على شبابه داخلةً في نطاق الإرادة البشريّة، مع تطوّر الطب وتقنيات الرياضة الصحيّة ومتعلقاتها؛ من أنظمةٍ غذائيّة وأساليب عيش ونحو ذلك. بمعنى أن عمر الإنسان أصبح اليوم ثمرة كدٍ وتعب، فمن الإجحاف تعميم الجميع برقمٍ واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق