الأربعاء، 18 مايو 2016

اللّعمة !


     يضعفنا الترف وعاداته الرخيّة، ويحدُّ من قدرتنا على البقاء، لأنه يسلبنا القدرة على الصراع من أجله، وهو كما نعرف شرطُ استمرار النوع وتطوّره. إن العيش في ظل الوفرة يقتل منابع القوّة في الإنسان، ويحول دون نمو استعداداته ومواهبه، فتفسد بذوره في تربتها. لا شيء كالتحدّي يدفع الإنسان ليكون أفضل مما هو عليه، فسعيه منفردا وراء متطلبات حياته يعوّده حمل المسؤولية، ويخرجه من حيّز الإمكان لحيّز الوجود.

     لتوينبي نظريةٌ شهيرة، تفسّر نشوء الحضارات بوصفها استجاباتٍ لتحدي، ومتى ما عُدم التحدّي عُدمت الحضارة وامتنع التمدّن. وظلًّ ولعُ الأسر الحاكمة برحلات الصيد مشبوبا منذ القدم لِمَا فيها من مشاقٍّ تصلبُ العود وتطرد عن البدن الرخاوة التي لا تناسب المتأهبين للجلوس على العرش وتقلّد المسؤوليات الجسام، سيما والواحد منهم يطفو فوق بحيرة نعيم توشك أن تبتلع قواه، فتكف مطامحه عن أن تكون علُيا. كما لعله -أي الترف- علّة العلل في كون المجتمعات الخليجيّة هي الأقل انتاجا في كل شيء، إذ الحاجة أم الاختراع.

     الدعة شَرَك قاتل، يعوق الإنسان عن اكتساب ما يحتاجه لمواجهة نقائض الرفاه، وهي كثيرة بقدر ما هي محتملة، ما لعلّه يكشف الوجه الإيجابي للبؤس، حيث آلام الحياة ومتاعبها أمصالٌ لأوبئتها ونكباتها. أقلنا وجعا هو أكثرنا شكايةً إذا أُصيب، ربما لأنه لم يعتدها، أي طارئة، ألهذا يبدو العزاء في القصور أكثر كآبةً واسودادا منه في الأكواخ ؟ لستُ أدري، لكن صرت أخاف من انزعاجي من همود المكيّف لانقطاع الكهرباء أكثر من خوفي أن يطول انقطاعها، وأخاف من تأخر الضربة التي تقويتي مترقّبا التي ستقتلني.

     التعب مدرسة، نظلُّ مسكونين بأميّةٍ ما إذا لم نستكمل فصولها ونأخذ نصيبنا غير منقوص. النعمة هي الوجه الآخر للعنة، فـ "اخشوشنوا، فإن النعمة لا تدوم".

هناك تعليقان (2):

  1. مرحبا
    عندك حساب في التويتر ؟ او في اي موقع آخر ؟

    ردحذف
    الردود
    1. حاليا، ما عندي إلا المدونة 🌹

      حذف