السبت، 2 أبريل 2016

ماجد برمنده (إني أتّهم !)


     من المؤسف أن ما جرى لماجد برمنده ليس سابقة من نوعها، فكما حصل مرارا مع آخرين، لقي الرجل حتفه على يد رجال أمن. جدير بالذكر أنه -باعتراف الناطق الرسمي لشرطة مكّة- لم يكن مسلّحا.

     أعتقد أن التقيّد بنصوص نظام الإجراءات الجزائيّة في التعامل مع هكذا حوادث لا يمكن أن يفضي للوفاة المقبوض عليه، أين الخلل إذن ؟

     مهما يكن الاختلاف في تفاصيل القصة، هنالك حالة وفاة تستدعي، أقل ما تستدعي، إجراء تحقيق نزيه وعاجل قبل أن تتسمّم الأجواء أكثر، حيث هنالك اشتباه قوي بوقوع جريمة قتل. لا نماري في خطأ ماجد في تدخّله في عمل رجال الأمن، لكن من الصعب اعتبار سقوطه قتيلا بعد عراك بالأيدي معهم حادثا عرضيّا. ولقد وثّقت الصور عصيّا كهربائيّة بيد عناصر الأمن المحدقين بالجثّة، بعد أن أوسعوه ضربا. كما وثّقت الصور أيضا ماجد محاطا بعدد من رجال الأمن وقد أطبق أحدهم يديه على رقبة ماجد، وهذا ما يجب التوقّف عنده مليّا.

     بعد أن اختارت شرطة مكّة الوقوف خلف منسوبيها وتبنّي روايتهم بالكامل، لا أعرف إن كان ملف القضية سيُغلق أم لا، لكن لون بشرة القتيل وانتماء الجناة لجهاز محصّن ضد النقد يجعلني أتشاءم.

     استوقفتني كثيرا سلبيّة المثقّفين والكتّاب وكأن الموضوع أقل من أن يعلّق عليه ولو بتساؤل بريء عن ملابسات موت إنسان، هل ضحايا الهيئة هم وحدهم من يستحقون المساندة ؟ هل التشكيك في رواية شرطة مكّة ستضعهم في مواجهة مع الدولة مثلا ؟ من المفارقة أن ولادة المثقفّين كطبقة أو شريحة كان بسبب قضية من هذا النوع، هي قضية درايفوس، عام 1894 عندما نهض زولا، في بيانه الشهير "إني أتّهم"، لحمل تلك القضيّة على عاتقه كما لو أنها قضيّته شخصيّا. بذلك تصدّعت الأبراج العاجيّة عن المثقّفين، ليسلكوا الطريق الذي افتتحه زولا بابتكاره ما اصطُلح على تسميته "قضيّة رأي عام"، وهي مظالم خاصّة لم يجد ضحاياها لهم نصيرا سوى الضمير الحي، الذي يتولّى المثقّفون بأقلامهم وخزه وإيقاظه في نفوس عموم الناس، وبقوّتهم مجتمعين يُعدل الميزان الذي أماله المتنفّذون في الدولة، أيّة دولة.

     يجب أن يُنظر للمستضعفين كثقوب وفجوات في المعمار الاجتماعي، كثرتها تهدد البناء بالسقوط على رؤوس الجميع، الكبيرة والصغيرة.

     على أيّة حال، أفهم دوافع أمريكا في رفضها التصديق على المعاهدات الدوليّة التي قد تفضي لوقوع جنودها تحت طائلة القانون الدولي، إذ من شأن هذا أن يحد من نشاطاتها العسكريّة العابرة للقارات. لتكون حركتها سلسة، يجب أن يظل جنودها محميّين قانونيّا ومحقونين إيديولوجيّا، لكن هل لاستحضار الهواجس الأمريكيّة علاقة بحادثة ماجد برمنده ؟ أترك ذلك لاجتهاد القاريء، فقط أشير إلى أنه من المعروف أن أجهزة الأمن أقوى ما تكون في الأنظمة البوليسيّة المغلقة.