الثلاثاء، 5 يوليو 2016

ما وراء شيطنة عدنان إبراهيم

     
     ما طبيعة التهديد الذي يمكن لعدنان إبراهيم أن يمثّله للتيار الديني والمحافظ عندنا ؟ أظن الرجل خطرا يتهدد شيئين : أفكار ومصالح .. تبدو الأفكار الواقعة تحت مرماه معروفة وواضحة، إنها مجمل الطريقة التقليدية الامتثاليّة لفهم الدين وتطبيقه. وهي كل ما اشتُهر عدنان إبراهيم بالحديث حوله، بوصفه داعيةً يتأرجح بين الثوريّة والإصلاح. وعندما نتحدث عن التقاليد الراسخة في الفكر والسلوك، فنحن في الواقع نتحدث عن المجتمعات، حيث لا تقاليد مهيمنة بلا سلطة عدديّة تفرض الاتّباع. وبالنظر للتقسيمات التي أملتها استقطابات المرحلة، فنحن نتحدث عن الأغلبية المحافظة، القاعدة الشعبيّة الأهم للتيار الأصولي، التي توفر لرموزه قوّة ضغط كما تدرّ عليهم أرباحا طائلة. بمعنى أنها مصدر نفوذهم وقوّتهم.

     على أرض الواقع، الفكرة الأقوى هي الأكثر قدرةً على كسب الأنصار والمؤيدين، مهما كانت واهيةً من الناحية المنطقيّة أو العلميّة. ويظل أصحابها أقوياء وذوو تأثير في السياسات العامة، ما داموا قادرين على الاحتفاظ بقواعدهم الشعبيّة وافرة العدد، إذ القوّة هنا في العدد. تكمن خطورة عدنان إبراهيم، وكل مصلح ديني حقيقي، في أنه يعمل، بشكلٍ غير مباشر، على حرمان هؤلاء من مصادر قوّتهم، صارفا وجوه الناس عنهم. لأنه يروّج لطريقةٍ لفهم الدين يقع هؤلاء خارجها تماما، طريقة أقرب للعصر وقضاياه وفلسفته، بحيث لو كُتب لها النجاح وانتشرت، لفقدوا جُل أو كل ما يتمتّعون به من سلطة واعتبار وقيمة تتجاوزهم كأشخاص، ويبطل بالنتيجة سحرهم.

     ليس من فراغٍ إذن تلك الحملات المسعورة ضده، والتي ينخرط فيها عددٌ متزايد من الشخصيات والموسسات الدينيّة الرسميّة، تحت عناوين وشعارات مختلفة، ترمي لغرضٍ واحد، هو ضرورة القضاء على المنافس الجديد. وليس التبديع والتكفير سوى أدوات لضبط سوق الفتاوى الدينيّة على مقاسهم، يمارسه المحتكرون ليظلوا متمتّعين بمزايا الاحتكار، أطول وقتٍ ممكن قبل أن تتحطّم سفنهم بأمواج الواقع العاتية، فيما الريح تنفخ في أشرعة عدنان إبراهيم. هل هذا يعني، في التحليل النهائي، أن الوضع عبارة عن مصالح مسيّجة بمقدّسات ؟ ربما. الواقع أن ضحايا كل تغيّر يحدث اليوم، هم جناة الأمس.