الأحد، 26 يونيو 2016

الكوميديان بوصفه رسولا


     في خضم الحديث عن مرامي وغايات الأعمال الكوميديّة التي تهل مع كل رمضان أتساءل إذا ما كانت الكوميديا تفقد معناها خارج الضحك ؟

     الفن للفن والكوميديا للضحك، هكذا وحسب. تمسّح الكوميديا، المبالغ فيه، بشرعية النقد الاجتماعي أصبح ممجوجا، فهي لا تقدّم معلومة ولا ترفع جهلا، فقط تبتكر مفارقات يُفترض بها إثارة الضحك على نطاق واسع، لأنها في النهاية أعمال تتكبّدها مؤسّسة ربحيّة، عينها على جيب المشاهد قبل عقله. وموضوعها قد يكون اجتماعيّا وقد لا يكون. ومؤدّوها -الكوميديّون- قد يكونون مثقفين وقد لا يكونون. لهذا فإنها لا تتكفّل بأي مهمّة معرفيّة/نقديّة، إن اعتبارنا رسالة المثقف معرفيّة/نقديّة.

     البحث عن معنى وغاية وراء الضحك في الكوميديا ينطوي على احتقار للضحك، الضحك لمجرد الضحك، إذ "الضحك من دون سبب -وجيه!- من قلّة الأدب"، ما أوجب البحث عن أسبابٍ أخرى له، فليكنْ إذن في سبيل الإصلاح الاجتماعي، أو بحثا عن الحكمة التي بلغ من عمقها أن سخرت بالحياة، أو غير ذلك.

    نحن نضحك على مشاكلنا بعد أن شخّصها الكوميدي، حيث تهتز الحقائق المتعارف عليها كلما قهقه الناس أكثر. هل هذا صحيح ؟ أعتقد لا. إما لتعدد التأويلات، حيث تغمض على كثيرين "الرسالة" المراد إيصالها. وفي حال وصلت الرسالة، فإن أكثر الضحك منصبٌ على الطريقة التي حُوكي بها الواقع، وليس بالضرورة اقتناعا بأنها مثّلته بأمانة واقتدار.

     يتشارك الجميع تقريبا، منتجين ومستهلكين، لعبة الترفّع عن الضحك المجرّد. فيجري تكريس الكوميدي بوصفه مثقّفا وصاحب رأي، كما يجري تصوير المشاهدين بوصفهم مهتمّين بقضايا الشأن العام، أي مثقفين أيضا، بالتالي لا أحد يضحك من فراغ، سوى السخفاء والجهلة !

     الكوميديا تختزل الواقع، تكثّفه، تعيد تركيبه وبناء علاقاته، ثم تخرجه بشكلٍ مختلف، بحيث يكون مضحكا. ليست أكثر من "نكتة" مجسّدة في عمل مؤسسي. وتضمينها معاني أبعد، أو تزويدها برسالة سامية، أو تحميلها مسؤولية إصلاحٍ ما، ليس أكثر من نزعة يساريّة يُفترض أنها دُفنت في مقبرة السرديّات الكبرى. مجرد إيديولوجيا ترى الأشياء أجزاءً من كل، هو المشروع الذي ينتظم الدولة والمجتمع. وفقا لذلك المنظور الجميع مثقف عضوي، لأنه يحمل رسالة، ويسعى لتحقيق هدف يتعدّى ذاته.