الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

ماذا بقي من الثورة السوريّة ؟ (الحق والحقيقة)


     الدولة السوريّة لم يبقَ منها سوى أطلالٍ يمكن حملها في حقيبة سفر، بيد رجلٍ متسلّل تحت جنح الليل على متن طائرة روسيّة، يقدّمه فلاديمير بوتن للعالم على أنه رئيس كامل الشرعيّة. أما الشعب، فشذر مذر، تتقاسمه الجبهات والمنافي، الأحقاد والحيرة .. توزيع المسؤولية إما على النظام أو المعارضة يبدو قولا مستهلكا، كما أنه مؤسسٌ -وهنا المغالطة- على استمراريّة بقائهما -النظام ومعارضته- كيانين متماسكين. المعارضة مشرذمة لأسبابٍ كثيرة منها : تضارب مصالح داعميها. والنظام تفسّخ، وهو اليوم كرجلٍ فقد إحدى عينيه وأذنيه ويديه ورجليه، يحاول متابعة السير على حبلٍ معلّق بين يأسين. وكان التدخّل العسكري الروسي خاتمةً كوميديّة لادّعاءاته، التي لم تتوقّف منذ اندلاع الثورة، بأنه ممسك بزمام المبادرة في حربه على "الإرهابيين"، وأنه ما انفك يتقدّم في معاركه ضدهم.

     لو استقبل السوريّون من أمرهم ما استدبروه، هل كانوا سيطلقونها ثورةً على بشّار ونظامه ؟ قطعا لا. وهذا لا يعني طبعا أنهم بصدد تقديم تنازلات، بعد كل ما حدث. ربما المشكلة في "التنازلات" الواجبة على كل طرف، حتى يتمكّنوا من الخروج جميعا من النفق الذي دخلوه واحدا تلو الآخر، والذي لا أعرف يقينا إذا ما هم قد بلغوا النقطة الأكثر ضيقا وقتامةً فيه أم لا، لكني آمل أن الأسوأ لم يحدث بعد، وأن الأمل في تلافيه ما زال قائما.

     عندما تصاعد العنف أخذت القضيّة مناحٍ عقائديّة، وصار النزاع يدور حول "الحقيقة"، بعد أن كانت ثورةً لنيل "الحق" (في العمل، التعليم، الصحة، الانتخاب، .. إلخ)، الأمر الذي جعل الحلول السياسيّة مجرد نزعات طوباويّة. بمعنى أن النزاع حول الحق الدنيوي تطوّر، لأسبابٍ غامضة، إلى اقتتالٍ حول الحقيقة غير الدنيويّة. هل كان تحوّلا مخطّطا له مسبقا، لأغراضٍ سياسيّة، تتعلّق بإدارة الصراع ؟ أميلُ لاعتقاد ذلك، والشواهد عليه متضافرة.

     أعتقد أن سوريا قليلة الموارد، إلا أنها أبدا لم تصل درجةً تدفع السوريّين -كأفراد- للصراع من أجل البقاء، بحيث يكون بقاء أحدهم مشروطا بعدم بقاء الآخر. لكن سوريا -كدولة- واحدة فقط، ومن المستحيل أن تسع السوريّين -كطوائف- تتصارع على السلطة والحكم. الحقيقة مصدرُها الطائفة الطامحة للهيمنة، والحق مصدره الإنسان السوري الطامح للحياة. وحتى يستعيد السوريّون بلدهم، يجب أن يقضوا على الطائفة كفكرة سياسيّة، قبل أن تبيدهم كمواطنين أفرادا. على الطائفة -المذهبيّة أو الملليّة- أن تظل تنظيما أهليّا خارج أبنية السلطة، يقوم بوظائف غير سياسيّة، وإلا فإنها ستجنّد بعضهم ضد بعض وتجتاح -بحقائقها- حقوقهم.

الأحد، 4 أكتوبر 2015

الصداقة والصديق (خاطرة)


     "من يعيش وحيدا لا يعرف حتى معنى أن يروي" .. سارتر

     حتى مدمني العُزلة والانفراد يحتاجون صديقا يساعدهم على الخروج منها كي لا يملّوها. على المستوى الشخصي، لاحظت أن حماستي للتواصل مع الأصدقاء كانت في كثيرٍ من الأحيان محاولةً لإثبات وجودي اجتماعيّا، وأنني كائن صالح للتداول في سوق العلاقات الإنسانيّة. بل ولاحظت أن الإنسانيّة مفهوم يصعب إدراكه من قبل الأشخاص المتقوقعين على ذواتهم. من العجيب أن قراءاتي حبّبتني في الإنسانيّة كفكرة، وكرّهتني في الآخرين كأشخاص، حيث خلتهم قيودا وموانع وإكراهات لا تُطاق !

     كنت مغترّا بتعريف أرسطو للصديق عندما قال: "إنه أنت، لكنه في الشخص غيرك". كان يرفع من قيمة التشابه بين الأصدقاء، على اعتبار أن المشتركات هي من يصنع العلائق والصداقات. وهذا صحيح إلى حدٍ بعيد، لكن لفت نظري أن الصداقات قد تنشأ بين المتناقضين، فتدفعهم إلى تحييد اختلافاتهم من أجل المحافظة على ما بينهم من ودٍ وصداقة. بمعنى أن شجرة الصداقة نبتت بين الصخر والماء. ولولا الأصدقاء، لفقدنا القدرة على الكلام، وتعفّنا داخل الصمت. (Tom hanks - tchak) في فيلم (cast away)، اضطرّته معاناة العزلة لاختلاق صديق من كرة، أطلق عليها اسما بشريّا (wilson) وحشاها قشّا، كي لا تفترسه الوحدة في جزيرته الضائعة وسط المحيط الهادي. كان محتاجا لتصديق كذبته، حتى لا يفقد قدرته على الاتصال بنفسه أولا، قبل أي شخصٍ آخر.

    بالأصدقاء نتمرّن على ممارسة التواصل الاجتماعي مع الأقارب والمعارف وزملاء العمل، الخ. لا يمكن أن نتقن لغةً ما لم نخالط أصحابها، فكذلك العلاقات الاجتماعيّة، الأصدقاء عادةً هم المدرّبون الأكفاء على اكتساب كل أنواع المهارات التي يتطلّبها الاندماج الاجتماعي. الأصدقاء محضن تربوي كالأسرة، ضروريّون كالأهل.

السبت، 3 أكتوبر 2015

خاطرة سريريّة


     الاستمتاع الجنسي عمليّة مكوّنة من عدّة عناصر، القضيب واحد منها. ورأيي أن تضاءل أهمّيته أثناءها ترجع إما لعِنّة (عطب عضوي) أو لحب (الجنس لا يكفي لإطفاء الشغف). ربما الجنس كمفهوم يقبل أكثر من تعريف، يتّسع ويضيق، بالنظر للمساحة التي يحتلها الإيلاج في العمليّة. طبعا هنالك حالة وسطى، يأخذ فيها الإيلاج وضعا مركزيّا وأهمّيةً قصوى، وهي الحالة التي يُعرّف بها الجنس عادةً، حيث يأخذ "التدخيل" نصيب الأسد من مدّة اللقاء، بل ويتحدّد اللقاء به، بدايةً وانتهاءً.

     الاهتمام بالمقاسات والأحجام تسيطر عادةً على المكتهلين، رجالا ونساءً، فبالنسبة إليهم تجرّد الجنس من هالاته العاطفيّة وغدا لذّةً حسيّة مستقلّة، يُطلب محضا لذاته. بمعنى أن الجانب الشخصي فيه لم يعد مهما، المهم هو العضو التناسلي، الممارسة نفسها. الجنس في هذه الحال مجرد وجبة، والشبق عبارة عن جوع. عمليّة بيولوجيّة منزوعة المشاعر. وبمجرد أن تستشعر الثلاثينيّة فتور قضيب الزنجي المستأجر تطلب منه مغادرة الغرفة، وكذلك الأربعيني ينهض من فوق بنت الثامنة عشر بعد القذف مباشرةً، فيخرج وهو ينظر في ساعته، دون التفاته للوراء. كثيرا ما يُساء تفسير .

     أوضاع الممارسة الجنسيّة التي يُتعمّد فيها عدم تقابل الوجوه، تُعتبر علامةً على تقدّم الحس في العمليّة على المشاعر. أظن أن ممارسات من هذا القبيل طرفاها إما زوجان عتيقان أو "شورت تايم"، بيد أن تطوّر تقنيات الممارسة الجنسيّة اليوم، زاد من كمّية المتعة وقلّل ولا شك من الفروق الفرديّة، مما يحتم ضرورة التثقيف الجنسي، لحياة جنسيّة أسعد.