الأحد، 4 أكتوبر 2015

الصداقة والصديق (خاطرة)


     "من يعيش وحيدا لا يعرف حتى معنى أن يروي" .. سارتر

     حتى مدمني العُزلة والانفراد يحتاجون صديقا يساعدهم على الخروج منها كي لا يملّوها. على المستوى الشخصي، لاحظت أن حماستي للتواصل مع الأصدقاء كانت في كثيرٍ من الأحيان محاولةً لإثبات وجودي اجتماعيّا، وأنني كائن صالح للتداول في سوق العلاقات الإنسانيّة. بل ولاحظت أن الإنسانيّة مفهوم يصعب إدراكه من قبل الأشخاص المتقوقعين على ذواتهم. من العجيب أن قراءاتي حبّبتني في الإنسانيّة كفكرة، وكرّهتني في الآخرين كأشخاص، حيث خلتهم قيودا وموانع وإكراهات لا تُطاق !

     كنت مغترّا بتعريف أرسطو للصديق عندما قال: "إنه أنت، لكنه في الشخص غيرك". كان يرفع من قيمة التشابه بين الأصدقاء، على اعتبار أن المشتركات هي من يصنع العلائق والصداقات. وهذا صحيح إلى حدٍ بعيد، لكن لفت نظري أن الصداقات قد تنشأ بين المتناقضين، فتدفعهم إلى تحييد اختلافاتهم من أجل المحافظة على ما بينهم من ودٍ وصداقة. بمعنى أن شجرة الصداقة نبتت بين الصخر والماء. ولولا الأصدقاء، لفقدنا القدرة على الكلام، وتعفّنا داخل الصمت. (Tom hanks - tchak) في فيلم (cast away)، اضطرّته معاناة العزلة لاختلاق صديق من كرة، أطلق عليها اسما بشريّا (wilson) وحشاها قشّا، كي لا تفترسه الوحدة في جزيرته الضائعة وسط المحيط الهادي. كان محتاجا لتصديق كذبته، حتى لا يفقد قدرته على الاتصال بنفسه أولا، قبل أي شخصٍ آخر.

    بالأصدقاء نتمرّن على ممارسة التواصل الاجتماعي مع الأقارب والمعارف وزملاء العمل، الخ. لا يمكن أن نتقن لغةً ما لم نخالط أصحابها، فكذلك العلاقات الاجتماعيّة، الأصدقاء عادةً هم المدرّبون الأكفاء على اكتساب كل أنواع المهارات التي يتطلّبها الاندماج الاجتماعي. الأصدقاء محضن تربوي كالأسرة، ضروريّون كالأهل.

هناك تعليقان (2):