الاثنين، 19 فبراير 2018

سالي (#قصة_قصيرة)

من سنين لا أريد عدّها، ذهبنا لخالي المقيم في إسكان الهيئة الملكية بينبع، لنقضي عنده عطلة الصيف. كان -الإسكان- منظما ونظيفا لدرجةٍ شعرت معها بأنني أكثر شيء بدائي يدب على أرصفته المحفوفة بالورود والأعشاب العطرية، في طريقي اليومي للمتجر الذي بدا وكأنه يحطَّ من الفضاء قبل دقائق من وصولي.

وقتها تعرفت على "سالي"، الفتاة الأمريكية الشقراء جدا، التي اعتادت التباهي أمامنا بدراجتها في الساحة التي تتوسط الحي. كان عمرها تقريبا ست سنوات، أكبر مني بقليل، وأذكى بكثير. بعد كم يوم قرّرت -"سالي"- أن  تصطحبني معها للبيت، ربما لتفاجىء والديها بحيوان أليف !

عندما أدخلتني كانا جالسين في الصالون، بملابس خفيفة جدا، أي شبه عاريين. هالني النمش الذي أكل وجه الأم. كما استغربت وجه والدها المتحجر، بملامحه شديدة الحياد (عندما كبرت عرفت أن الاكتئاب يميت وجوه البشر). كانا ضخمين، صامتين، كما آلهة إغريقية.

جرّتني "سالي" إلى غرفتها فوق، تبعتها بسرعة، ربما هربا من زوج الأسود الرابض في الأسفل. فتحت خزانتها ونثرت الألعاب، فاندهشت واختنقت أنفاسي. أعتقد أنها الحالة التي ستعتري الصوفي إذا تجلّى الله له في الآخرة. تملّكتني رغبة شديدة في أن أبقى من "سالي" للأبد، فانشغلت عن اللعب سويّا بالتفكير في الخلود معها. كيف أجعل المؤقت دائما ؟ نفس السؤال الذي يطرأ على الفتاة إذا صادفت فارس أحلامها. لكن الأسود تحركت، فهرب الحيوان الأليف. منذ ذلك اليوم و"سالي" تترآى لي في كل فيلم أمريكي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق