الاثنين، 5 مارس 2018

القبيلي واللا قبيلي


     القبيلة مؤسسة اجتماعية تستمد أصالتها من تضامن أفرادها وتعاضدهم. كل ما كانت القبيلة أكبر عددا وأقوى، عزّز ذلك من مصداقية ادعاءاتها حول تاريخها ونسبها. التاريخ صنيعة الحاضر في الحقيقة، فالأمم والشعوب التي تسود الآن تكتب سردياتها التاريخية كما تشاء، ويصدقها الآخرون. لذلك تجنح الدول لتدوين تاريخها وتلقينه للأجيال، لأنه يخلق بينهم شعورا مشتركا وهوية موحّدة، وتطعّم -كالقبيلة- ماضيها بالمآثر والأمجاد. كل الظواهر السياسية تقوم على أساطير مؤسِّسة، والقبيلة تنظيم بدائي للاجتماع السياسي، فله أساطيره الخاصة كذلك. وربما كان التطور ، في أبرز صوره، عبارةً عن تحقيق ذات الأهداف، لكن بطرق أحدث.

     عندما نبدأ بطرح سؤال عن الفرق بين الأصيل (القبيلي) وغير الأصيل (اللا قبيلي)، سنجد أن الأصالة هي الانتساب لقبيلة معروفة، غير أن سلاسل الآباء تنقطع دون الوصول لجد القبيلة الذي يفترض أنها انحدرت منه، هوّة يجري ملؤها بضجيج الافتخار، ربما للتعمية عن البتر السلالي !

     سيعد ابن القبيلة المزهو أجدادَه حتى ينتهي للقبيلة، وهي اسم مبهم، كما يفعل الرشيدي -إذا ما أصابه الزهو أيضا- الذي سينتهي تعداد أجداده لاسم، مبهم هو الآخر. خُذْ أي قبيلة متعارف على أصالتها في الجزيرة مثلا، واطلب توثيق اتصال أسانيد المنتسبين إليها، هل ينتهون جميعا لجذر يجمعهم بسند متصل ؟ قطعا لا. ما يعني أن أصالة القوم كتاريخ الدول الناشئة، شيء تشيّده سطوتهم في الحاضر. بمعنى أن الأصل وليد تضامن وانسجام راهن، لا جد مشترك غائر في مجاهل التاريخ.

     إذا استفهمت العتيبي أو القحطاني أو الشمري، الخ : منذ متى وقبيلتكم موجودة؟ سيقول منذ قرون. وإن شرع متباهيا بسرد آبائه الذين يُنتظر أنهم ينتهون لعتيبة أو قحطان أو شمّر (على افتراض أنهم أشخاص)، ستكتشف أن أجداده المعروفين لا يغطّون القرون المزعومة لظهور القبيلة. وأنه بحاجة لعشرات، متسلسلين، يكون آخرهم هو نفسه أبو القبيلة كلها. وهذا ما لا يقع بطبيعة الحال، فهم و"الرشيدي" سواءٌ إذن. سلسلة تنتهي لاسم مبهم، خلفه فراغ تصفق في أنحائه الريح !

القرآن يقول إن أكرمكم عند الله أتقاكم. والعلم يقول نحن والشبمانزي أبناء عمومه، منحدرون من أصل واحد، فاخترْ أيهما شئت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق