الاثنين، 20 فبراير 2017

وإذا السيول سُيّست


     من سنين قليلة مضتْ أصبح نزول الأمطار كارثة وطنية، تستدعي إعلان حالة الطوارئ : مدنٌ تغرق ويبتلع الماء الكثير من المصالح والممتلكات العامّة والخاصّة، علاوةً على تعطّل الكثير من الخدمات، من طرقٍ وطاقة، الخ. ومع كل سيلٍ عَرِم يأخذ طريقه إلى الأحياء السكنية، يتكشّف لنا أن الفارق بين ما رُصد للبنية التحتية وما نُفّذ، كان أكبر من تشاؤمنا. لكنني أعتقد أنها تصورات مبنيّة في مجملها على أحكامٍ مسبقة، مضمونها لا يستقل بتفسير الظاهرة. فحتى لو كانت البنية التحتيّة أفضل مما عليه، لن يحدُّ ذلك من غلواء السيول المتدافعة، ربما لأن المشكلة سببها تغيّر مناخي أصلا، حيث تتوقّع بعض الدراسات بازدياد معدلات الأمطار في الجزيرة العربية، تُقدّر بـ30%. كان يصعب -في رأيي- على المخطّطين الأوائل لمدننا التنبوء به، لحداثة أسبابه نسبيّا (كالاحتباس الحراري مثلا)، ما جعل جهود الحكومة تنصّب ابتداءً على تدارك الآثار قدر الإمكان.

     أعتقد أن المشكلة ليست في سوء التخطيط ولا في رداءة البنية التحتيّة (التي لا أجادل في وجودها)، فلو كانت البؤر الأولى لمدننا في ممرَّ سيول مغرقة بهذا الشكل، لَمَا استوطنها أحد أصلا. ولو كان السبب هو التوسّع العمراني الهائل الذي أعقب طفرة النفط في الربع الأخير من القرن من الماضي، لَكشف الغيم المتراكم عن نواتجه مبكّرا، ولَفرض نفسه وأُخذ بالحسبان، شعبيّا ورسميّا، مما يؤكد حداثة الظاهرة. نعم هنالك أخطاء تتحمّلها الجهات المسؤولة، مثلما يتحمّلها مواطنون جهلة أو مهملون أو أنانيّون. لكن هنالك ما يمتنع منطقيّا تحميله جهةً بعينها، لأنه ببساطة قدَرٌ نزل بالجميع، من حيث لم يحتسبوا، جميعا. وإذا تشارك الناس ذنبا، كان من الظلم أخذُ بعضهم بجريرته. كما أن الاتّهام إذا استفحلت عموميته، فقدَ جدواه، وصار قولا يستهدف إيغار الصدور وحسب.

     من هنا أستشف مرامٍ سياسيّة خلف تأليب الرأي العام ضد الحكومة في مثل هذه المناسبات، حيث السياسة -كما يقول موريس دوفرجيه- هي تغطيةُ هدفٍ غير نظيف بهدف نظيف. لستُ في صفِّ الجهات الرسميّة، كما لستُ مع ممالأة الرأي العام كيفما اتّفق، بالحق وبالباطل. وإن تعمّد رفع سقف المطالب والتوقّعات لا يُراد منه، في الحقيقة، سوى بذر اليأس في قلوب المواطنين وتقنيطهم من الحكومة، سيّما وأنها تبذل وسعها، بهلعٍ لا يخفى. ربما لأن الهدم أسهل من البناء، سلَكه هؤلاء المحرّضون، بلا أدنى مسؤولية. همهم تشييد شعبية زائفة على أنقاض وطن حقيقي، فاحذروهم !


هناك 3 تعليقات:

  1. تحية طيبة
    مع أصدق التمنيات بحياة سعيدة.

    ردحذف
    الردود
    1. حيّاكِ الله
      ممتنٌ لأمنياتكِ الطيّبة راجيا لكِ مثلها
      🌷

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف