الخميس، 14 مايو 2015

المعنى واللّحن في وهج الصورة (خاطرة في الكليبات)



     يبدو لي أن الفيديو كليب غيّر من طبيعة الأغنيّة، دخل في صميمها وأجرى عليها تفكيكا بدّدها بين مجالي السمع والبصر. وفاضت الصورة على الكلمة واللّحن، بفضل تقنيات الحاسوب وبرامجه المتطوّرة، وأساليب العرض القائمة على تكثيف الصور وتسارع اللّقطات. فغدت الأغنيّة -في مجملها- حدثا مرئيّا، حتى اختلط الأمر على المشاهد في غمرة الزحام على عينه وأذنه، لا يدري أيّهما يتبع الآخر، مَنْ يخدم مَنْ : الأغنيّة أم الصورة !

     ربما لأن الفيديو كليب عبارة عن دعاية تسويقيّة للأغنيّة، تشابهت أساليب وأجواء الكليبات والدعايات، حيث تُصوّر الأشياء بأجمل مما هي عليه في حقيقتها. لكن هل كانت الأغنية بحاجة لغير مكوّناتها الأساسيّة (الكلمة واللّحن) حتى تروج وتنتشر ؟ جودة المنتج غالبا ما تكفيه عناء الدعاية وتكاليفها. بأي حال، هو سؤالٌ ينطلق من فكرة التمييز الحدّي بين الفنون، وعلاقاتها فيما بينها إذا اجتمعت، وأيُّها وسيلةٌ للآخر. والحق أنه يمكننا تجاوزه بالقول إن الفيديو كليب فنٌ جديد، مستقل، يستخدم الأغنيّة والصورة معا، وتُعتبر مكوّناته مثلما كانت الكلمة واللّحن مكونات الأغنيّة. الفيديو كليب أكثر من أغنيّة. الأغنيّة -كلماتٍ وألحانا- مجرد خلفيّة صوتيّة فيه، كالخرير بالنسبة لنهر صوره المتدفّق بغزارة.

     كنت كلما أعجبتني أغنيّة في اليوتيوب أحوّلها لصيغة إم بي ثري، حتى أحفظها في الفلاش وأسمعها في السيارة. لمستُ تغيّرا في بعض الأغاني، ولم تكن مصادفةً أنها كانت -في غالبيّتها- كليبات، بهتتْ بعد اختفاء الجانب الصوري منها، ما يعني أن الإبداع لم يكن في الأغنيّة، إنما في الإخراج ! واكتشفت أنني كنت مشدودا للأغنيّة بسبب حركة الصورة وألقها، وعندما أغمضت عيني عنها في السيارة ظهرت وكأنها رقْصة من غير موسيقى، سامجة، أحيانا حدَّ البله !