الثلاثاء، 2 يونيو 2015

في بيتنا شاحن !


     عندما يتوقّف الرسيفر أو المايكرويف أو الخلّاط عن العمل بعد يومٍ أو يومين من شرائه، عادةً لا يتقبّل الناس الأمر بوصفه قدرا لا يملكون سوى الصبر عليه، حيث ينطلقون بغضبٍ مكظوم إلى البائع مطالبين إما باستبداله أو إصلاحه على الأقل. وإن لمسوا منه التواءً أو تلكّأ، رفعوا الأمر للجهات المختصّة، بعد أن يوسعوه شتما في محله. لكنهم أبدا لا يسكتون.

     ردود الفعل هذه متوقعة ومنطقيّة جدا، وهي تنم عن وعي جيد بحقوقهم كمشترين، أي من الناحية القانونيّة. لكن تصيبني الحيرة وبعض الحنق من سلبيّتهم حيال مواقف أخرى مماثلة، بل هي أولى بالغضب والانفعال والتصعيد، مثلا عندما ينفجر الشاحن في وجه أحدهم، أو عندما تنتبه العائلة بمحض الصدفة أن توصيلة الكهرباء على وشك الذوبان من شدّة الحرارة. وفي مثل هذه الأوضاع، النجاةُ من الموت احتراقا أو اختناقا مجرد ضربة حظ، فكم طالعتنا الصحف بأخبار مأساويّة عن عددٍ من المتفحّمين من أسرةٍ واحدة، إن لم تكن الأسرة كلها. والسبب جهاز بلغ من الرداءة أن صار قنبلةً موقوتة !

     شاهدتُ مقطعا لرب أسرة يتجوّل بكاميرته وسط بيته المحترق، ربما ليوثّق فرحته التي لا تُوصف بنجاة أطفاله من موتٍ محقّق، بسبب "شاحن صيني"، اكتفى بتحذير الناس منه. ويبدو أن الأمر انتهى عند هذا الحد. كأنه -في غمرة امتنانه العظيم لله تعالى- نسي أن هنالك جناةً يجب أن يخضعوا للمحاسبة، بدايةً من الباعة مرورا بالمورّدين وانتهاءً بالوزارة. هذا الثلاثي هو المسؤول عن الكم الهائل من الألغام والقنابل الموقوتة التي زُرعت في بيوتنا جميعا، على شكل شواحن وتوصيلات وغيرها. ذلك أن كل ما ينجم عنها من كوارث سببُه رداءة الصناعة لا سوء الاستخدام.

     أكثر ما يسترعي انتباه الناس هو قيمة الجهاز المعطوب، حيث لا يتحمّلون خسارته بلا عوض، فيما هم يتحمّلون -ويا للمفارقة !- الكوارث الناجمة عن الأجهزة زهيدة القيمة كالشاحن والتوصيلة، والتي قد تطال الأرواح !

     أليست مفارقةً فعلا أن نرجع للبائع غاضبين لاكتشافنا أن الدفّاية أو المكنسة الكهربائيّة مقلّدة، إدراكا منا لمسؤوليته عن ذلك الخطأ، بينما لم يخطر ببال أحدنا الرجوع إليه بسبب التوصيلة التي كانت سببا في احتراق بيته، كما لو أن البائع ليس ضالعا فيما حدث، أو كما لو أن الخسارة إذا تضاعفت سقطت عن المتسبّب الحقيقي فيها !!  والذي يهمنا كمجتمع هو المحاسبة وليس التعويض، حيث الخطر محدق بما لا يمكن تعويضه : الأرواح.