الخميس، 25 يونيو 2015

أرق


     بدأت تتسرّب لي عادة سيئة، أعرف أنها سيئة، هي الانتظار المضني للنوم، أي ما يُسمّى "الأرق". أظل لساعات ممدّدا على السرير على أمل أن يخجل النوم من تأخره المزمن عن الموعد. أغضب وأنا أرى وقتا فائضا يتبدّد من غير أن أنام فيه، ساعة أو اثنتين على الأقل. فأن يُكسب الماء البارد على الأرض أمام شخصٍ يحترق عطشا، لهو ضربٌ من التعذيب.

     ومع أن ذهني مُشْرع لكل فكرة، وحدها هموم الموت تساورني وتجثم علي، أتخيّل العدم والقبور والذهاب بلا رجعة، هل تسمعني ؟ أشعر بألمٍ الغياب، فأشتاقَني حقّا. أرفع يدي لأراها على الضوء الخافت المنبعث من النافذة، أقبّلها قبلة امتنانٍ مودّعة، ثم أضعها كما يُوضع المصحف، باحترام بالغ. أمسح وجهي متلمّسا جبيني وحاجبيَّ، ثم وبحنانٍ مقدّس أسحب كفّي على سائر الوجه مثلما نفعل بعد دعاءٍ ملحٍّ. أفعلها وكأنني أمسح وجه ميّت قبل أن أغطّيه بالكفن، للأبد.
                                 
    تبرد أطرافي، وتتجمّد عنقي، ويثقل رأسي فوق الوسادة، ثم تعلو وجهي كآبةٌ لا يراها أحد، ولا حتى أنا. أشعر بها فقط في صدري. كيف لها أن تُرى في غرفة مطفأة الأنوار، ليس فيها مرآة، مقفلةٌ على رجل يُعتقد أنه نائم ! ومع كل ساعة تمرُّ يقترب مني الموت أكثر، أحِس بحرارة أنفاسه على جسدي، مثل شعلةٍ متوهّجة توشك على التهام هشيمٍ، كان أنا.

     في انتظار النوم، فوجئتُ بالموت يداهمني، يبدو النوم مجرد تدريب وجودي على الفناء، ذلك الفيضان الماحق الذي نتواطأ على التكتّم عليه، رغم علمنا جميعا بأنه سيكتسحنا لا محالة.

     أين سأكون أنا ومن أحببتهم يوما؛ أمي وأبي وإخوتي وأخواتي وأصدقائي ومعارفي ! أمعقول أن كل تلك الكائنات اللّطيفة ستغدو ترابا أخرسا بعد سنين أقل من خرزات المسبحة. في أكثر تقدير، إن لم نقل أنه منهم على مسافة أشهرٍ أو أيام أو ساعات، تتلاحق كالدقائق والثواني.

     إن كان الإنسان قد أُعطي روحا لا تنفد في جسدٍ يتآكل، فأي عظمةٍ تنقصنا كبشر، ونحن نتعايش مع مصيرٍ كالموت ! وأي معجزةٍ حقّقناها أكبر من أن نحلم ونأمل ونخطّط لمستقبلٍ يقف الموت في آخره ! وأي غرائبيةٍ أعجب ممن يعمل كأنه سيعيش أبدا فيما هو سيموت غدا !


     ثم تطلع الشمس وأخرج من غرفتي أتثاءب، فأغسل وجهي وأنسى ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق