الخميس، 23 يوليو 2015

الإرهابي الطيّب



     كان ذلك عنوانا لرواية دوريس لسينج، المنشورة عام 1984، حيث تُشير ببساطة ساخرة إلى كمّية براءة غير متوقعّة تقبع داخل الوحش الإرهابي. من جهتي، أظن أن مشكلة الإرهابي لا تتمثّل في كونه مصابا بنزوعٍ إجرامي متأصّل في نفسه، يغريه حتى بشرب الدم، بقدر ما تتمثّل في تماهيه المتطّرف مع مبادئه المثاليّة، واستعداده الانتحاري لاستنزالها على أرض الواقع مهما كلّف الأمر، واعتقاده أنها مهدّدة وجوديّا وبالمطلق من قبل "أشرار"، هم من سيكونون ضحاياه. لقد أثبتت الدراسات الإحصائيّة أن أكثريّة الإرهابيين ليس لهم تاريخ عنيف أو دموي قبل الانخراط في الإرهاب. كانوا أناسا عاديين جدا، مثلنا، ربما ينكمش وجه أحدهم ألما إذا داس، وهو يقود سيارته، قطّةً بالخطأ !

     الإرهابيّون ليسوا أشرارا بالضرورة، على العكس، كثيرا ما نُصدم بطيبتهم الساذجة، التي حوّلتهم -من غير أن يقصدوا ذلك- لمجرمين عتاة. سنكتشف هذه الحقيقة البسيطة لو تابعنا المقابلات التي تُجرى معهم بعد القبض عليهم، أو شاهدنا وصاياهم المسجلّة قبل أن يُقدموا على عملياتهم "الاستشهاديّة". من المحتمل أن يكون الإرهاب عبارةً عن رد فعل مفرط العنف على عنفٍ ربما لا يقل عنه ضراوةً وشمولا، وقد يكون الإرهابيّون ثوّارا في وجه طاغية، لم يلبثوا أن نافسوه في البطش والتنكيل، فغرقوا معه في مستنقع الأشلاء والدماء.

     لكن كيف نفسّر إقدام الإرهابيّين على جرائم شنيعة بحق مدنيين من الواضح أنهم فعلا أبرياء ؟ استوقف هذا السؤال تقريبا جميع من درسوا ظاهرة الإرهاب. إلا أن ذلك الوضوح التي يتبدّى لنا حول براءة الضحايا هو -أولا- غير موجود بتاتا في تصورات الإرهابيين، وبالتالي، فالضحايا كلهم مذنبون، ويستحقّون عن جدارةٍ ما جرى لهم. ثانيا، إن الظروف التي شرّعت للإرهابيين اقتراف الموبقات وخدّرت ضمائرهم، تشابه لحدٍّ بعيد الظروف التي تجعل جنود الجيوش النظاميّة، إذا نشبت الحروب، يفعلون كل ما يُعتبر في الأوضاع الطبيعيّة : جرائم. أعني تلك الفظائع والأهوال التي تُبرّر سياسيّا في دوائر الحكم بالمصلحة العليا للدولة وأمنها القومي، الخ، فيما تُروّج بين البسطاء دوافع أخرى تتناسب وتفكيرهم المبدئي عادةً، لتسهّل تعبئتهم وتجنيدهم.

     هل يعني ذلك في نهاية المطاف أن الإرهابي ليس إلا سياسيّا فاشلا، وأن السياسي ليس أكثر من إرهابي ناجح ؟! التفكير في هذه الإشكاليّة قاد بعض الباحثين إلى القول بأن الإرهاب مصطلح غير مفيد في التحليل. أي أنه مجرد تهمة يلصقها الأقوى بالأضعف ! على أيّة حال، للدول كما للمنظمات الإرهابيّة أجهزة دعاية تنمّط الأعداء وتعمّم عليهم صورةً تنزع عنهم كل ما يمت للإنسانيّة بصلة، فيتجّلون شرّا محضا، يجب القضاء عليه بكل الوسائل الممكنة. وإذا ضاقت الفجوة ما بين السياسي والإرهابي، فأعتقد أنه البحث يجب أن ينصبَّ في السياسات أكثر مما العقائد. هذا والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق