الأحد، 21 يونيو 2015

أحن إلى كريم كرمل أمي

     
     من سنين لم أعد أحصيها اختفى الكريم كرمل من مائدتنا الرمضانيّة. من يذكر قوالبه المعدنيّة والسكّر المذاب في قعرها ؟

     لا زلت أحتفظ بذكرى دافئة مع هذه الحلوى الموسميّة. لا زالت طبقة السكر المذاب في أعلاها تسحرني حتى اليوم. آخر مرّة صادفتها أخذتُ كعادتي أكشط تلك الطبقة وآكلها وأمصُّ الملعقة، هذا قبل الشروع في التهام الكريما. في بدايات بلوغي، صرتُ أربط بين الكريم كرمل ونهىد العذارى. كان قوامهما متشابهين، ما أضفى عليها -أي الكريم كرمل- حلاوةً أكثر، بحيث أتناولها بشهوة ! لمّا كبرتُ عرفت أن النهد أقل نداوةً، لكنه أشهى. مثل الكريم كرمل، لدى النهد سكّره المذاب الذي يتجمّع حَلَمةً في ذروته. تختلف الأثداء باختلاف صاحباتها، ويبقى للكريم كرمل طعمٌ واحد، لا يختلف.

     محافظٌ أنا حيال الأطباق الثوريّة الجديدة، لا أمدُّ يدي إليها إلا متوجّسا يخاف لدغة ! أميل إلى أن الأجود والأطعم قد اكتُشف منذ دهور، وأن الجديد مجرد خلطات تلفيقيّة، بالتالي، باب الاجتهاد عمليّا مقفل. هل نريد دليلا أبلغ من بقاء الشواء، وهو طبق بدائي، متصدّرا منيو أفخر المطاعم العالميّة ! الأطباق الشهيرة في العالم عبارة عن أكلات قديمة قِدم نار الطهو. هل لأنها ارتبطت بالذاكرة البشريّة وغدا الزمن جزءا من مكوّناتها ؟ ربما.

     في رمضان، لا تزال السنبوسة تتوسّط المائدة بثقة الجدّة بين أفراد أسرتها، حتى إني أعتقد أن صنعها في غير رمضان عقوق بحقّها ! ومثلها الشوربة باللّحم والشعيريّة بالحليب .واللّقيمات الطافحة بالشيرة و"الشربيت"، إلخ. من يتناولها خارج رمضان كأنما يتحرّش بالإله خارج المعبد. هكذا تعوّدت وطُبعت نفسيّتي. وهي مشاعر في الحقيقة، لا وجهات نظر.

     تجمعني بهذه الأطباق عشرة عمر، وداد وألفة شعرتُ بها منذ اليوم الأول على مائدة الإفطار، لقد انبعثت من أبخرة الطعام ذكريات وسمعت فيها قهقهات وأدعية وحكي، وتفاصيل أخرى شجيّة. كم عبرت مائدتنا أطباق وألوان، لكن نُسيت بسرعة، وبقي الأصيل على كرِّ الرمضانات ثابتا لا يتزحّزح، إلا الكريم كرمل، غاب مثل فقيد لا يُنسى. غاب وترك مكانه فارغا تحاول المعجّنات السخيفة عبثا ملأه.