الخميس، 7 مايو 2015

أسامينا


     نخرج للدنيا بأسماء لم نُستشر فيها. كالجلْد تلتصق بنا. كوجوهنا وقاماتنا، تغدو جزءا أصيلا من هويّتنا. معطى يصعب الانفكاك منه. الاسم وليد ثقافة الأهل، مثلما الجلد والوجه والقامة محصّلة تاريخ سلالي. وهذا لا يعني استبعاد الجغرافيا، فدروها أساسي في صبغ الجلد، ونحت القامة والوجه، وطبع الثقافة.

     لا شك الاسم علامة، تكشف الميول وتظهِر سطوة الإيديولوجيا، حيث يبدو المولود في كثيرٍ من الأحيان وكأنه لافتةٌ يرغب أهله أن يسجّلوا عليها باسمه موقفا مبدئيّا ما، من وحي عقيدتهم أو ثقافتهم ! الظاهرة أوضح من أن تحتاج لأمثله، كما من الواضح أيضا أن الميول والإيديولوجيات تتغيّر بينما تبقى الأسماء، أحيانا منبتّة الصلة مع واقع أصحابها، بل ربما ناقضته بشكلٍ يثير السخرية، وليس من النادر أن تصادف في مصر شيخا كثّ اللّحية يُنادى "أبا عبدالناصر"، وفي سوريا قد تعثر على متجر خاص، يجلس ابن مالكه البكْر "لينين" على كرسي المحاسب، ناهيك بملاحدة يحملون اسم "عبدالله" !

     الاسم ليس عَلَما على شخص بقدر ما يكون رمزا يشير لمنظومة كاملة من المفاهيم والقيم والأخلاقيات والأعراف، بحيث تصير تسمية المولود إعلانا عن الانتماء لها والرغبة في استدامتها.

     التسمية فعل ثقافي بامتياز، تسفر به الثقافة عن وجهها. فالثقافة المحافظة تولي موضوع الأسماء عنايةً لافتة، وتمنح الوالدين سلطات تربويّة واسعة على الأبناء والبنات، بحيث تكون التسميّة من مفردات العمليّة التربويّة التي تتمثّل أساسا في استنساخ الجيل القديم، وتمارس -عبر تعالميها فيما يخصُّ الاسم- الانتقاء، أي القبول المشروط. والهدف حماية ذاتها بمقاومة الانفصال عن الموروث ونماذجه، عبر محاولة بعثها وإحيائها، ولو رمزيّا. وأظن أنها طبيعة الثقافات جميعا. لتكريس وجودها تستخدم كل شيء : الحكم / السيف، التربيّة / العصا، المعرفة / القلم، الرموز / الأسماء .. إلخ.

     وكما لو أن الاسم ينفصل عن المسمّى، عن الإنسان المشار إليه، وينخفض لمستوى الوسيلة، يصير ككل الأشياء المستخدمة في الحياة، الضروري منها والكمالي، فيتحوّل لشيءٍ قابل للتداول والإهداء، كالعباءة والخاتم، مما يُقدّم شكرا على خدمة أو تقديرا لموقف !