الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

يحيى الموت !


 

فقدتُ الإحساس بالزمن، ولم يفقد إحساسَه بي، كما لو أنني همُّه وهو همّي.

حياتُه مرهونةٌ باستنزاف حياتي، أنقص إلا ليزيد، أفنى ليبقى .. ما الزمان بغيرنا ! ما القبور بلا أموات !

يحيط بي إحاطةَ صحراء بواحةٍ توشك أن تجف. كأنني طائرةٌ ورقيّة تطفو  فوق نسيم متخاذل، يكاد أن يسْكن، فأهوي !

دفنَ طفولتي تحت أنقاض شبابي، وهاهو يُهيل كهولتي فوق شبابٍ ما زال فيَّ غضّا، أجدُ طعمه في فمي كلما اشتهيتُ امرأةً أو اشتهتني.

نسيته في زحمة الأيام، وكيف يُنسى من حضوره دائم في موتانا المتكاثرين !

يصمتُ لنصرخ، فيبتلعنا. لكأنه -في سعته- الفضاءُ، ولكأننا -في احتراقنا- الشهبُ المتهاوية على تخومه رمادا.

الأزل والأبد، مجرد قصةٍ أحداثُها وشخوصها أشياءُ مؤقتة، نحن منها : أنا وأنت وهو والحَمَل والشجرة، وبعض التفاصيل المشمولة مع كل الأشياء التي لا تنفك تتناهى .. تتناهي

من يدري، ربما كان الأزل والأبد اسمين لمسمّى واحد، هو ما ندعوه "الله"، استمدَّ عظمته وجلاله من عجزنا عن رؤية أطرافه الممتدّة عبرَ القرون !

هل الخلود إلا فناءٌ يتلاحقُ إلى ما لا نهاية. والله هو اللا نهايتين، الأزل والأبد، الماضي السحيق والمستقبل الشاسع. ونحن الآن !

الثواني عمر الدقائق، والدقائق عمر الساعات، والساعات عمر الأيام، والأيام عمر السنين، والسنين عمر العقود، والعقود عمر القرون، ونحن عمر الزمان الذي لولا الحركة ما كان، ولولاه ما كنّا .. أنحنُ حفنة وقت تتساقط حبيباتُه في جوف ساعة رمل سرمدية !

نموت ويظل الزمن من وراءنا يحسب أعمار مَنْ بعدنا، يحصيها حتى تنفد. فإن تفانوا جمعيا، مات قرير العين، بعد أن أدّى رسالته في تشييع "الله"، تلك الحركة التي قدحتْ زناد الزمان، فتطايرنا شررا !