الاثنين، 8 ديسمبر 2014

العمالة كشعب !

     

     بلغ عدد العمالة الوافدة المسجّلة لدى الجهات الرسميّة حوالي ثمانية ملايين (وجودهم شرعي نظاما)، ويذكر بعض الباحثين أن غير المسجّلين حوالي أربعة ملايين منتشرين في طول البلاد وعرضها (وجودهم غير شرعي نظاما)، فالمجموع إذن اثنا عشر مليونا .. أميل شخصيّا إلى أنهم أكثر، لا أصدّق الأرقام الرسميّة، ولدي قناعة مستقّرة أن الأجانب تخطّوا -بالمجمل- حاجز الخمسين بالمائة من سكّان المملكة، وجولة واحدة في الأسواق الكبيرة والصغيرة والشوارع التجاريّة، في المدن كلها، تكشف بوضوح أن السعوديين يكادون أن يتحوّلوا إلى أقلّية في بلدهم وسط طوفان الأجانب الذي اكتسح القطاع الخاص وتجارة التجزئة والخدمات. والمثير للاستغراب أننا نعاني بطالة، حيث تزداد بشكل مضطرد سنويّا أعدادُ حملة الملفّات الخضراء (العلّاقيّة) الذين اعتادوا التشمّس والتدخين والثرثرة على أبواب الوزارات صباحا !
                
     كان غازي القصيبي يقول : "لدينا ستة ملايين وظيفة متاحة للسعوديّين، لكنها الآن مشغولة بأجانب". من الواضح أن الأمور ساءت أكثر، فازداد الأجانب من جهة والعاطلون من جهة أخرى، والضحيّة الاقتصاد الوطني، ما سينعكس على الحالة المعيشيّة للمواطن .. إنهم يقاسمونكم خيرات بلدكم من دون أن يضيفوا لرأسماله (الدخل القومي) شيئا. يمتصّون حتى المساعدات الحكوميّة التي تتدارك بها -بين فينة وأخرى- غضبتكم من أمرٍ ما. إذ الأجانب هم التّجار الذين تشترون منهم أصلا. وكلما أثرى منهم واحد، جلبَ أقاربه ومعارفه من جبال صنعاء أو عمق الصعيد الجوّاني، ونشرهم في فروعه الجديدة (التي يشتري منها العاطل ملفّه العلاقي، ويفطر فيها قبل الذهاب للوزارة!)

     لا جديد بأن ثقافة العمل لدينا معطوبة ويحتاج إصلاحُها لوقتٍ قد يطول، لكن ترك الأمور هكذا ليس هو الحل. وإن كنا سنتكلّم عن ثقافة، فأعتقد أن الحكومة هي من يملك وسائل التغيير الثقافي، وفي النظم الشموليّة (غير التعدّدية كنظامنا) الشعبُ مجرّد منتَج حكومي. لا أدري هل ألوم المواطن السعودي على إيمانه الخرافي الكسول بأن الحكومة هي مصدر الرزق الأوحد، أم ألوم الحكومة التي لا تريد أن تغيّر من طبيعة اقتصادها الريعي، الذي صِيغ في ظلّه وعيُ مواطنها وعليه تطبّع ! على كل حال، سيأتي اليوم الذي فيه تكتشف الحكومة أنها لم تعد قادرة على الإنفاق المباشر على أفراد شعبها، بواسطة توظيفهم في مؤسساتها (هي تعرف أنهم لا يقدّمون شيئا، لأن أكثريّتهم عبارة عن بطالة مقنّعة). حينها إما أن تُوجِد بنيةً تحتيّة لقطاع خاص وطني حقيقي (من ضمن ذلك العملُ على تصفية الوجود الأجنبي)، يستوعب أفواج الخريجين، وإلا فإن عليها أن توجد أجهزةً أمنيّة كبيرة متخصّصة لمكافحة الشغب، فالعاطلون هم وقود الثورات، الأمر الذين يعني أن نسبة الأجانب في بلدنا، ربما ستحدّد مستقبل نظامنا السياسي برمّته. ولذا كانت هذه المسألة وثيقة الصلة باستقرار بلدنا ووحدته، أي بالغة الخطورة جدّا.