الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

مدنّسون وطاهرات (تأمّلات في الحب)


    في الحب، هل ما تريده المرأة من الرجل، هو نفسُه، ما يريده الرجل من المرأة ؟

     حينما يجتمع الحبيبان عادةً يكون الحب هو الموضوع الأثير بينهما، حيث يتبادلان الشكوى من اشتياقا ولهفةً، فيتراوح الحديث حول محورٍ واحد في النهاية، هو الانتظار المنهك حتى ساعة اللّقاء. كل الكلام تقريبا مجرد مقدّمات أو مبرّرات أو تفسيرات لتلك الحال. وغالبا يُحكى بأسلوبٍ شاعري آخّاذ. وكم يحلو للعشيقين أن يعلنا دائما، بمناسبة وبدونها، عجزهما عن التعبير عمّا يضطرم بين جوانحهم، من فرط التعلّق. وربما قال أحدهما للآخر في لحظةٍ غامرة : أتعرف هذا الذي تقول إن العبارة تضيق عن نقله كاملا كما تشعر به ؟ إنه لفي صدري نحوك، وإنني أقاسي العجز الذي تقاسيه عندما تعاني نقله لي. كأننا يا حبيبي نحاول اغتراف الفضاء بملعقة، اللغات قاصرة عن معاني القلوب ! 

     هل المضمون واحد عند كليهما، بدليل عجزهما سويّا عن التعبير عنه ؟

    كونهما ممتلآن مشاعر طاغيّة، هي حقيقة. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن مشاعر المرأة في الحب، هي نفس مشاعر الرجل في الحب. حتما هنالك قدرٌ مشترك بين حبه وحبها، مثلما هنالك اختلافاتٌ قلَّ أن ننتبه إليها، وربما نعثر عليها في أغراض الحب وغاياته. أقول ربما.

     عادةً يُولد الحب تائها أعمى، بلا مقاصد واضحة. أي بلا خارطة طريق محدّدة بدقة .. الحب يشبه المرض الذي لا تشعر بأعراضه بشكلٍ واضح إلا بعد أن يقطع شوطا في التمكّن منك، حينما يستفحل. المفارقة، أن خطط المحبّين المستقبليّة، ليست سوى محاولات للتعايش مع هذه العِلّة التي استحكمتْ، لا للاستشفاء منها. نحن لا نفكّر بمصير العلاقة ومآلاتها بشكلٍ جدّي إلا بعد أن نعي أننا قد تورّطنا فيها فعلا، ليكون السؤال الملحُّ : ما العمل الآن ؟ أظن أنه عند هذا السؤال يتحدّد الفرق بين حب المرأة وحب الرجل. قبلَه كان الحب واحدا تقريبا. وبعدَه أخذ كلُ حبٍّ طابعَه الجنسوي الخاص (الجندري).

     تبحث المرأة في الحب عن الاحتواء والأمان والاستقرار، ولذا تطمح لتخليده بواسطة الزواج والإنجاب. لا تميل المرأة -حتى في أكثر المجتمعات انفتاحا- لتعديد العلاقات، يكفيها رجلٌ واحد لآخر العمر، لكنها تتساءل دائما : أين هو ؟ نتكلّم عن الأعم الأغلب، ما يمكننا اعتباره القاعدة. بينما الجنس يسترعي نظر الرجل ويستحوذ على اهتمامه، فيما لا يعدو بالنسبة للمرأة أكثر من مجرد نتيجة مؤجلة، أي شيءٌ يحصل لاحقا، بحيث تقدّمه كمكافأةٍ لشريكها على صدقه أو وفائه. وحتى لو استعجلت به أحيانا، فهي لا تقدّمه إلا طُعْمَا يغري بالمزيد. ربما لحدْسِها الفطري أن الإكثار من الجنس سيضعف شغف الرجل بها، لكن لأنها تحبه وتتمسّك به، ستقتّر عليه جنسيّا، حتى تضمن دخوله القفص. بعدها تلجئ لأساليب أخرى لتحتفظ به.

     هل لنا أن نفسّر هذه النزعة، جندريا، بضعف مركز المرأة في المجتمع، ووعيها بضرورة وجود المعين إلى جانبها، بدليل بروزها -أي تلك النزعة- في المجتمعات التي تهمّش المرأة مقارنةً بالمجتمعات الأخرى التي تشيع فيها المساواة ثقافةً وممارسة. ولذا كان مشروع الحب -بالنسبة لها- مشروع حياة ومصير، أم أنها طبيعة المرأة وأساس تكوينها الفطري، بقطع النظر عن محيطها الاجتماعي الثقافي ؟ احتمالات .. عموما، يمكننا أن نخلص، بشيء من التجوّز، إلى أن جنوح المرأة نحو الحب عائدٌ لإحساسها بالفاقة والضعف، لكن لو تعمّقنا قليلا لوجدنا أن الحب في المجتمعات الحديثة ظلَّ محتفظا بموقعه في العلاقات بين الجنسين، رغم عزوف الناس عن الزواج، الأمر الذي يدل أن المرأة تحتاج الحب ليس لدوافع متعلّقة بالاستقرار الاجتماعي أو الأمان، وإنما هي طبيعتها النفسيّة كأنثى. فهي في الشرق تحتاجه لأسبابٍ أكثر من الأسباب التي تحتاجه نظريتها في الغرب. وعلى كلٍ، المرأة في الحب أنبل من الرجل وأقدس وأطهر. ولذا كانت أكثر وفاءً منه وصدقا وإخلاصا. هذا والله أعلم.