الجمعة، 17 أبريل 2015

روان


     روان فتاة تقف على رأس الثلاثين بتوجّس امرأةٍ لم تحسم أمرها بعد، في خضم الخيارات الآخذة بالارتقاء والتحسّن، وقد شرعت تترامى عليها كل يوم، على شكل شبابٍ مدلّلين، عوائلهم ثريّة ونافذة. كالفراش يقعون في وهج روان.

     شهادتها أشبعتها خبزا وكعكا. لكنها تاقت للتشيز كيك الفاخر والشوكولاه الإنجليزيّة، فجرّت الكحل ووسّعت فتحة النقاب وتخفّفت من تحرزها الموروث تجاه الجنس الآخر، ففوجئت بخواتم الماس الصغيرة وصناديق الآيفون المغلّفة وترقية وظيفيّة انتشلتها من القاع. أصابها ذهول من اكتشف صدفةً بئر نفط وسط فناء بيته الشعبي، الآيل للسقوط !

     هل تسلّم نفسها للنزوات وتستمر في فتح أزرار قمصانها الحريريّة، أم تلملم شعرها وتفكّر في المستقبل بجدّية المهموم بغده ؟ وبعد حيّرة وتردّد، توصّلت إلى أنه لا تعارض، فافترّ قميصها عن ابتسامة.

     وجهها متناسق ومليح، وقوامها فوق المتوسّط. صحيح أن مؤخرتها كبيرة نسبيّا، لكنها تتوارى بسبب خصرها المنفرط، الذي يتهدّل من الجانبين عندما تشد الحزام. إذا داومت بالجينز، تغدو حديث زملائها الذكور حينما يتجمّعون بعيدا عن زميلاتهم، أثناء البريك. لمّا عرفتْ بذلك، انتظرتْ بفارغ الصبر نزول الراتب حتى تشتري مزيدا من الجينز والأحذية ذات الكعب العالي، ربما لتستولي على أحاديثهم خارج البريك أيضا. يفعل الإطراء بالأنثى ما تفعل الخمرة في العقول، وأكثر. ولذا تنفق في شرائه الكثير. لا تدّخر شيئا من أجل أن تقطف ثمراته من الأفواه والعيون.

     كبنات جنسها، تعتقد روان أن وقْع الكعب على الأرض يخرق صدر الرجل. وإن هبَّ عطرها، فقد يُصاب بالنزيف قبل أن يتبيّن هويّة من سدّد الطعنة !

     تعرف روان أنها جذّابة، لكنها لا تعرف أن أكثر جاذبيّتها مدفون تحت لسانها وذائبٌ في ملامحها. لا يُرى، لأنه لا يُدرك بالحواس الخمس أصلا، فقط يشعر به المغرم بها. وإلى حدٍّ بعيد، تجهل روان أن الإنسان قد يحب لأسبابٍ متعدّدة، ليس منها بالضرورة جمال الصورة أو امتلاء الجيب.

     طريقتها في الحديث مثيرة حقّا، يهفو إليها قلب الغريب، تجتذبه، فيدنو كما لو أن بينهما عِشْرة طيّبة. كم تجيد روان جلب الانتباه بابتسامتها التي تعرف -بفطرتها كأنثى- متى ترسلها، ولمن؟ ولماذا؟ كل ذلك تختزلُه في انفراجة شِفه، ربع ضحكة بالضبط.

     بشيءٍ من التجريد، ألا تبدو هذه الإشارات المتبادلة بين الجنسين تتطوّر مع الوقت، أي مسألة خاضعة للتقدّم الثقافي، لكننا نلتقطها -ذكورا وإناثا- بصورة بدائيّة جدّا، ربما لأن الذكورة والأنوثّة غريزةٌ سحيقة الوجود في أعماقنا كبشر، لا تخضع لمنطق التطّور والتقدّم ؟! رغبتك في المرأة هي نفس رغبة أبيك وجدّك آدم. وكذلك رغبتها فيك، هي نفس رغبة أمّها وجدّتها حواء. لا فرق نوعي. مشاعر القلب كانتفاض القضيب، أشياء خارج صيرورة التاريخ، أي التطّور. (حول هذه النقطة، انظر مقالتي "تأملات في الجنس").

     روان أجمل ما تكون المرأة الّلعوب الشقيّة، تعد بالكثير، فإذا علِقَ الضحيّة بشراكها، تفحّصته، ثم طرحته وذهبت بلا اكتراث. لم تقترب من رجلٍ فوجدته كما خُيّل لها. الانطباع الأوّل خدّاع، هكذا تقول دائما. تمارس الانتهازيّة أحيانا، لكن بلا غدر، أو بقليلٍ منه. للضرورات أحكام في النهاية ! لا تحب التعمّق في هذه الأمور حتى لا يصحو ضميرها المعذِّب، فيفسد عليها كل شيء. هي فقط تتفادى التورّط مع من تشعر أنها تقدر على اصطياد أفضل منه. ومشكلتها أن الأفضل مفقود دوما، يظل سابحا في غياهب خيالها كسرابٍ لاحَ لضمآن. تتخطّى الواحات وهي تلاحقه، إلى أن تغادر أراضيها المخصبة، وهي لا تدري !

     روان ليست شريرة، هي فقط امرأة اكتشفت أن أنوثتها ثروة طبيعيّة، فحاولت أن تستثمرها بطريقتها، خصوصا في مجتمع الندرة، المحافظ. وجدت أن الناس -بمعنى ما- درجاتٌ في سلّم، فصعدته. روان لا تقتل، ربما تخدش أو تجرح فقط. فيها من لطافة النشّالين، تسرق بخفّة، لكنها لا تأتي على كل ما لديك. تتركك غاضبا، لا متشحّطا في دمك، تلفظ أنفاسك الأخيرة.