الخميس، 20 أغسطس 2015

حول "جئتكم بالذبح"

للناس في تناول هكذا مواضيع أساليب وطرائق، منها الإدانة وتسجيل النقاط، لكن أنا يستهويني التحليل .. لا شك أن الإسلام دين مسلّح، يخوض الحروب بشراسة، ولا يتردد في حصد رؤوس أعدائه ومصادرتهم حتى آخر شاه في القطيع. لكن لماذا يقوم بكل ذلك ؟ لأنه دين دولتي (نسبةً للدولة، وهو نفس مدلول العبارة المعروفة : الإسلام دين ودولة). الجزء العنيف والدموي من الإسلام هو الجزء المتعلّق بالدولة كشكل للاجتماع الإنساني. ومن المعروف أن السياسة كعلم وممارسة تقوم تحديدا على فصل هذا الجزء من الاجتماع الإنساني عن الأخلاق، على افتراضٍ -أُخذَ كمسلّمة- أن لهذه الظاهرة منطقا خاصّا، يوجب التعامل معها بطريقة مختلفة، وإلا سقطت الدولة واستُبيح مجتمعها. مع كل ما يُنسب إليه -عليه السلام- من خوارق ومعجزات، لم يستطع النبي، ولا غيره، أن يغيّروا من قوانين اللّعبة السياسيّة. لهذا تلطّخوا بالدم، سواءً كان ذلك عن رغبة أم كرها. ومن قراءتي للسيرة النبويّة أستطيع القول بثقة أن النبي لم يكن ميّالا للحروب، وأعتقد أنه من الزعماء الذين -لفرط أريحيّتهم- يُتوقّع منهم تقديم تنازلات ليس هنالك ما يضطرّهم إليها. مع كل ما يُروى عن حِلّمه وسماحته ورحمته -وهو حقيقي في رأيي-، لكن كان لديه عصابات لقطع الطرق التجاريّة، وفرق للاغتيال، وكتائب منظّمة، وفرسان متمرّسين، وخطط لمحاصرة القرى والبلدات قبل اجتياحها، كما -كأعدائه- لا يتورّع عن السبي والاسترقاق. للنبي محمد قلب عصفور، لكن حينما يسلَّ سيفه ترف فوق رأسه أجنحة الصقور. "جئتكم بالذبح" كان وعيدا موجّها لكيانات سياسيّة، يطلقه زعيم سياسي من موقع قوّة. الحرب عضو غير غريب في جسد السياسة، بل هي سياسة لكن بأدوات أخرى، كما يقول كلاوزيفتيز. العنف السياسي ما كان ابتداعا محمّديا. حسنا، أظننا عثرنا على أصل العنف في الإسلام، عرفنا سبب وجود السيف في صندوق الوحي المحمّدي، فهل يمكن تجريد الإسلام من سلاحه في الوقت الحاضر، باعتباره عقيدةً أولا وقبل كل شيء ؟ أتكلّم على المستوى النظري، أي النصوص والمعتقدات. الحقيقة أن هذا معترك كبير، وأظن أن التاريخانيّة أداة منهجيّة مفيدة لمن يرغب في التفكير في تلك المسألة التي يمكن اختزالها في سؤالٍ إشكالي، هو : إن كانت الدولة النبوية ضرورة لحماية الدعوة في عصر البربريّة، فما الحاجة إليها في عصر الميثاق العالمي لحقوق الإنسان (التي منها حقه في الاعتقاد) ؟ بمعنى هل يمكن قراءة العنف النبوي باعتبارها ضرورات تاريخيّة، لم تعد موجودة اليوم ؟ في ضوء ذلك، بعض المفكّرين العرب شرع يفرز مضامين الوحي تحت عنوانين اثنين : مقاصد خالدة، وسائل بائدة. والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق