الأحد، 30 أغسطس 2015

الموتى المهاجرون*


     يجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي مرّة بعد مرّة لدعم البرامج والخطط والمنظّمات المعنيّة بحراسة حدودهم الشرقيّة والجنوبيّة، وتتسابق دوله للتبرّع بسفن وطائرات ومعدّات وخبراء، ربما خشيةً من أن يصيروا جميعا إيطاليا أخرى، تلك الصخرة التي وهت من تكسّر أمواج البائسين. ما يجري في حوض المتوسّط وعلى حدود أوروبا شرقا هي حرب حقيقيّة، شعواء ودمويّة، حاول السياسيّون الأروبيّون عبثا التستّر عليها، لكن تزايد أعداد الضحايا كشف متانة الاجراءات الهادفة لصد جحافل المغيرين، كما كشف تصدّع الشرق الأوسط. بعبارةٍ اخرى : أوروبا تحاول تدارك الآثار الناجمة عن ارتطام أسراب الطيور المهاجرة بسورها التي رفعته توّا، وعلى وجه السرعة، قبل أن تعشعش فوقه.

     سقوط القتلى من المهاجرين بالمئات سيغرق أوروبا في الشرق الأوسط ويورّطها في شؤونه الداخليّة أكثر فأكثر، حيث سيكون ضبطه سياسيا واجتماعيّا واقتصاديّا جزءا لا يتجزّأ من ضبط شؤونها -هي نفسها- سياسيّا واجتماعيّا واقتصاديّا. هذه هي الشروط الأوليّة لأي ضبط أمني يُرتجى، إذ القوّة في الدولة الحديثة مجرد عنصر مكمّل. ومن دون ذلك ستجد أوروبا نفسها في مواجهة حركة نزوح مهولة تستنزف ميزانيّاتها، سواءً قرّرت التصدّي لها أو استيعابها. على هذا النحو يتداخل العالم ويغدو الخارج داخلا، كما حدث في اليمن مثلا، عندما اكتشف الخليجيّون متأخرين أن أمنهم واستقرارهم مشروطٌ بأمنه واستقراره، فخاضوا الحرب الأخيرة دفاعا عن مصالحهم التي كانت لحسن الحظ تصب في مصلحته. تقاطع المصالح هذا أضفى على الحرب صفةً أخلاقيّة، على الأقل في نظر كثيرين (البقيّة يلوكون كلاما إيرانيّا سخيفا).

     من نافل القول إن الانهيارات التي أصابت النظام الرسمي العربي كانت وراء تصاعد معّدلات الهجرة صوب أوروبا، بحثا عن الأمن والخبز، وهي دوافع جد إنسانيّة. هل يتعيّن على أوروبا أن تعمّم نجاحاتها التاريخيّة حتى تنجو من تداعيات فشل الآخرين ؟ بمعنى : هل تقدّمها مرهونٌ بإصلاح أوضاعهم وفك اختناقاتهم ؟ أظنها نتيجةً حتميّة لصيرورة العالم قريّةً واحدة، حيث تغدو الحدود السياسيّة بين الدول حبرا على الخرائط. إن لم تتضافر جهود القوى المسيطرة على العالم لمساعدة هذه المنقطة المنكوبة، فإنها لن تتوقّف عن إنتاج الإرهابيّين والمهاجرين، وهؤلاء ما عادوا بعد اليوم مشكلةً إقليميّة.


______________
* العنوان مقتبس من اسم المسلسل الأمريكي الشهير "الموتى السائرون".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق